التفكير التحليلي هو نمط من التفكير يكمُن في تحديد ووصف مشكلة مّا ثم تفكيك عناصرها أو أجزائها بهدف إيجاد حل مناسب لها – أي المشكلة التي تواجهنا – بطريقة منهجية.
في السياق ذاته، عرف كريكوري (1988 ,Gregory) التفكير التحليلي:” بأنه نمط من أنماط التفكير يزيد من قدرة المتعلم على مواجهة المشكلات من خلال تفكيك أجزائها بحذر ومنهجية والاهتمام بالتفاصيل والتخطيط بحرص قبل اتخاذ القرار فضلًا عن جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات والقدرة على المشاركة في توضيح الأشياء للوصول إلى استنتاجات عقلانية من خلال الحقائق”.
مقدمة
عند قراءة هذه المقالة سوف تتعلم كيفية استعمال التفكير التحليلي ومهاراته …
في حقيقة الأمر، يَستعمل الباحث أو العالم التفكير المنطقي والتفكير التحليلي من أجل دراسة فكرة مّا أو مشكلة مّا بملاحظة أو مراقبة الحقائق والمعلومات التي لها عَلاقة مباشرة بالمشكلة …
في غالب الأحيان، يدرُس العالم أو الباحث الظواهر في مختبر باتباع المنهج العلمي المعمول به في سائر الدول.
إضافة إلى ذلك، يستخدم الباحث التفكير التحليلي من أجل إيجاد معلومات جديدة وحل المشكلات.
إذن ماذا يُقصد ب التفكير التحليلي؟
بكلمات بسيطة، التفكير التحليلي(بالانجليزية: Analytical Thinking) هو دراسة عناصر أو أجزاء مشكلة مّا بهدف إيجاد حل مناسب لها.
يعتمد التفكير التحليلي على فحص ما هو معلوم ومعروف عن المشكلة التي تُواجهنا باتباع عدّة خُطوات أو مهارات إن صح التعبير، مثل:
- الاهتمام بالتفاصيل (الملاحظة)
- طرح الأسئلة(التساؤل)
- التصنيف والتنظيم
- صياغة الفرضيات(الافتراض)
- الاستقصاء والتفكر
مهارات التفكير التحليلي
مهارات التفكير التحليلي هي مجموعة من المهارات الأساسية التي تُساعدنا في تحليل قضية مّا وذلك بتجزيء عناصرها أو مكوناتها.
عندما نذكر التفكير التحليلي فلا بد أن نتكلم عن مهارته اللازمة من أجل العمل بطريقة منهجية وعلمية …
إذا أردت أن تمتلك تفكير تحليلي، فعليك التعرف إلى مهارات التفكير التحليلي المتعددة بما في ذلك: الأخذ بعين الاعتبار التفاصيل – طرح أسئلة ذكية وواضحة – تصنيف وتنظيم المعلومات المحصل عليها حسب أنواعها وأهميتها – افتراض حلول لحل المشكلة التي تواجهنا – استقصاء كافة تفاصيل الموضوع والتفكر فيها …

الملاحظة أو تقديم التفاصيل
تُعد الملاحظة من المهارات الضرورية عندما نشير سواءً إلى التفكير المنطقي أو التفكير التحليلي …
في مهارة الملاحظة، نستعمل بطبيعة الحال حاسة البصر من أجل وصف كافة العناصر المكونة للقضية أو المسألة التي شاهدناها.
إذا أردت أن تحلل أمرًا مّا، فعليك أن تأخذ بعين الاعتبار جميع التفاصيل التي تصف المشكلة أو الظاهرة…
في عملية الوصف عليك أن تعين جميع السمات التي تميز ما أنت بصدد تحليله.
في عملية التحليل، عليك أن تُفكك المشكلة التي أنت بصدد حلّها إلى عناصر، عند تفكيك المشكلة إلى عناصر، احتفظ فقط بالمعلومات النافعة ثم تخلّص من المعلومات التي لا تُغني ولا تُسمن من جوع، و التي بإمكانها أن تشتتك عن هدفك الأسمى أي حل المشكلة أو المشكلات.
طرح الأسئلة
تُعد عملية طرح الأسئلة من المهارات الضرورية عندما يتعلق الأمر بالتفكير التحليلي، لذلك إذا شئت أن تُحلل أمرًا مّا بطريقة منهجية، عليك أن تطرح أسئلة ذكية ومباشرة من غير مراوغة … كما يقول المثل العربي المتداول: (فهم السؤال نصف الجواب.)
تُساعدنا الأسئلة المطروحة بطريقة ذكية في تحفيز عملية التفكير لدينا، عندما يطرح علينا شخص مّا سؤالًا، فأول ما نفعله هو اقتراح أجوبة، يُمكن للأجوبة أن تكون خاطئةً أو صحيحةً حسب فهمنا ومعرفتنا …
هناك نوعان من الأسئلة نسمعها كل يوم عند طرح الأسئلة:
الأسئلة البسيطة: هي أسئلة يُمكن طرحها باستعمال الحروف التالية ولا يجد المتلقي صعوبة في الجواب عنها مثل: من – كيف – ماذا- أين -لماذا…
الأسئلة المركبة: هي أسئلة يصعُب علينا الإجابة عليها خصوصًا إذا لم نكن نتمتع بتفكير ناقد: مثل: ماذا لو – ما السبب- ما لو حدث – لماذا تفكر…
التصنيف والتنظيم
من الصعب على أيّ شخص كان أن يُحلّل دون الأخذ بعين الاعتبار التفاصيل التي تصف المشكلة التي هو بصدد حلّها، لذلك إذا واجهتك مشكلة مّا، أول شيء عليك القيام به هو تصنيف وتنظيم المعطيات التي حصلت عليها.
كما هو معروف، فعند الانتهاء من تحرير التفاصيل التي تحيط بالمشكلة، يأتي دور التصنيف وتنظيم المعلومات أو المعطيات المحصل عليها.
لهذا السبب، تُعد مهارة التصنيف من المهارات الأساسية سواء تعلق الأمر ب التفكير الإبداعي أو التفكير المنطقي أو التفكير التحليلي …
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما نقصد بمهارة التصنيف في التفكير التحليلي؟
التصنيف بكل بساطة هو وضع المعلومات أو المعطيات المحصل عليها حسب أنواعها أو فائدتها أو أهميتها…
عندما أريد أن أُحلّل مشكلة مّا، أُصنف المعلومات المحصل عليها حسب صنفين: معلومات مفيدة أي لها عَلاقة بالموضوع ومعلومات غير مفيدة أي لا عَلاقة لها بالموضوع ولا يُمكن الاعتماد عليها في حل المشكلة التي تواجهنا أو اتخاذ القرارات.
تقديم الافتراضات
تُعد عملية صياغة الافتراضات أو الفرضيات من المهارات الضرورية والأكثر استعمالًا من طرف الباحثين والعلماء منذ القدم حتّى الآن …
في التفكير التحليلي، تُستعمل الافتراضات بكثرة، هذه الافتراضات في غالب الأحيان تكُون مبنية على الملاحظة أو المعارف السابقة … في الحقيقة، كُلّما زادت معرفة الفرد، قدّم افتراضات ذكية وصحيحة إن صحّ التعبير …
عندما أريد أن أحل مشكلة مّا، أقدم افتراضات من خلال المعلومات والمعطيات المتوفرة لديّ، إذا قدمت على سبيل المثال افتراضين، عند البحث و التحليل والتقييم أجد أنّ واحد من الافتراضات التي قدمتها صحيحًا، خصوصًا إذا كنت متعمقا في المجال الذي واجهتني فيه المشكلة، هذا يعني أنه: كلما كُنت مثقفا و تقرأ الكتب، سَهُل عليك حل مشكلاتك المختلفة لأنّك تمتلك معلومات غزيرة في المجال المعني بالأمر.
إذن من خلال ما سبق، يُمكن أن نقول إنّ الافتراض هو مهارة رئيسة في التفكير التحليلي وتكمُن في طرح قضية مّا بهدف تحقق صحتها أو عدم صحتها.
إذا أردت أن تُطور مهارة الافتراض أنصحك ب المطالعة في مجال تخصصك بالدرجة الأولى ثم المطالعة في مجالات تُحبها وشغوف بها …
الاستقصاء
في حقيقة الأمر، تُعد مهارة الاستقصاء من المهارات المرغوبة عندما يتعلق الأمر بالتفكير التحليلي، لهذا السبب عليك أن تُطور هذه المهارة لكي تصبح مثل الباحثين والعلماء.
في بادئ الأمر يُلاحظ العالم أو الباحث ظاهرة مّا ثم يتساءل عنها ثم يطرح أسئلة بسيطة ومركبة في نهاية المطاف، يُصيغ أسئلة يُمكن اختبارها.
لكي يقوم الباحث بهذا الأمر عليه أن يلجأ إلى مهارة الاستقصاء والتفكر.
إذن ما الاستقصاء؟
ببساطة الاستقصاء هو مهارة من مهارات التحليل تتجلى في البحث عن تفاصيل قضية مّا بتعمق.
يُستعمل الاستقصاء أيضا في التفكير المنطقي من أجل التوصّل إلى استنتاجات، وذلك بفحص الأجزاء المكونة لمشكلة مّا أو قضية مّا.
كما لاحظت، فمهارات التفكير التحليلي الرئيسة 5 مهارات بما في ذلك: الملاحظة والتساؤل والتصنيف و الافتراض و الاستقصاء…
إذا أردت أن تطور هذه المهارات أنصحك بالقراءة، خصوصًا قراءة كتب المتخصصين في مجالاتهم.
العَلاقة بين التفكير التحليلي والتفكير المنطقي
التفكير المنطقي والتفكير التحليلي هما أمرين مهمين في حياتنا اليومية غير أنّ أغلب الناس لا يدركون ذلك …
ربما يكون هذا الجهل بسبب عدم استيعابهم أنّ التحليل المنطقي بإمكانه أن يساعدنا في حياتنا الشخصية والمهنية.
أغلب الناجحين سواء في الكتابة أو الفلسفة أو البحث العلمي… ساعدهم التفكير التحليلي والتفكير المنطقي في تحقيق النجاح.
لذلك إذا أردت أن تكون محلّلا جيّدًا عليك أن تتعرف إلى مكونات التفكير المنطقي من أجل استغلالها أو استعملها عند التحليل.
في نفس السياق، لقد حثّ القرآن الكريم على التفكر والتحليل في الآية التالية: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ۚ ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ۚ إن الله على كل شيء قدير.)
عندما يتعلق الأمر بالتفكير المنطقي عليك أن تفرق بين المفاهيم التالية: المنطق والحجة – المقدمة والاستنتاج.
علم المنطق :(علم قائم على قوانين عقلية تقود إلى أحكام صائبة وتجنب الخطأ.)
الحجة: هو اقتراح يُستعمل من أجل تأكيد أو نفي صحة فكرة أو معلومة.
المقدمة: في المنطق، المقدمة هو اقتراح أو ادعاء نستنبط منه حكمًا.
الاستنتاج: هو استخراج واستنباط الأحكام من المعطيات المتوفرة.
أهمية التفكير التحليلي
يهدف التفكير التحليلي إلى تبسيط الأمور المعقدة
في التفكير التحليلي، يعين الفرد المشكلة، ثم يصفها، ثم يجمع المعلومات الضرورية لكي يجد حلًا لها بعد فحصها وتقييمها.
حسب ريتشاردز هوير : (التفكير التحليلي مهارة مثل النجارة أو قيادة السيارة، يمكن تدريسه وتعلمه وصقله بالممارسة. لكن مثل الكثير من المهارات الأخرى – على سبيل المثال ركوب الدراجة – لا يتم تعلمها في حجرة الدرس أو شرح كيف القيام بذلك. إذن التحليل يمكن تعلمه بالممارسة.)
بعض الناس يظنون أن التفكير التحليلي جزء لا يتجزأ من المنطق أو التفكير المنطقي أو النصف الأيسر للدماغ.
لكن في الحقيقية، التفكير التحليلي ينشأ عند استعمال الدماغ كله أي الجزء الأيمن والأيسر.
أمّا البعض الآخر فيعتقد أن التفكير التحليلي يقتل الإبداع أو التفكير الابداعي، هذا ادعاء خاطئ لأنّ التفكير التحليلي غاية في الأهمية خصوصًا عندما يتعلق الأمر ب فرز الأفكار والمعلومات المحصل عليها خلال عملية البحث.
التفكير التحليلي مهم في اتخاذ القرارات
إذا عدت إلى كافة القرارات التي اتخذتها فسوف تجد أنّك لجأت إلى التفكير التحليلي بوعي أو من غير وعي منك حتّى في القرارات الصغيرة …
لذلك يُمكن تشبيه التفكير التحليلي بالقاضي الذي يُصدر أحكاما من خلال الأدلة المقدّمة إليه.
تقنيات التفكير التحليلي
إذا أردت أن تكون بارعًا في التفكير التحليلي عليك اتباع بعض التقنيات المتفق عليها في المجال من حيث فعاليتها …
لا يمكن لنا أن نحلّل من دون اتباع استراتيجيات بسيطة وقابلة للتنفيذ من الوهلة الأولى …
في الحقيقية، هنالك عدد كبير من التقنيات من أجل إنجاح التفكير التحليلي لكن ها هنا سوف نتطرق إلى تقنيتين لا غير في المحاور التالية.
التحليل الرباعي (بالإنجليزية: SWOT analysis)
التحليل الرباعي هو طريقة تحليلية استراتيجية اخترعها ألبرت إس. همفري سنة 1960 و تُستعمل في عدة مجالات …
ينقسم التحليل الرباعي إلى أربع أقسام: القوة – الضعف – الفرص – التهديدات …
- القوة والضعف هما عوامل داخلية.
- أمّا الفرص والتهديدات هُما عوامل خارجية.
الخطوات السبع ل شوجي شيبا
عندما تريد حل مشكلة مّا فقد تواجهك مشكلة بسيطة وفي أحيان أخرى مشكلة عويصة، لذلك إذا أردت أن تحل مشاكلك بكل سهولة عليك اتباع تقنيات بسيطة ومجربة من أجل جمع المعلومات أو المعطيات.
عندما نتكلم عن التفكير التحليلي فقد نشير -من وقت إلى آخر- إلى استراتيجية شوجي شيبا التي تتجلى في 7 خطوات بسيطة ومفهومة وقابلة للتطبيق من الوهلة الأولى:
تعيين أو تحديد المشكلة – جمع المعطيات – تحليل الأسباب – التخطيط للحل – تقييم المؤثرات – التوحيد- تقييم العملية.
تعيين المشكلة
بطبيعة الحال، إذا أردت أن تجد حلا لمشكلة مّا فعليك أن تحدد هذه المشكلة بطرح السؤال التالي: ما المشكلة؟
عند تحديد أو تعيين المشكلة عليك أن تصف المشكلة بالتفصيل … يُمكن وصف المشكلة بتفكيك أجزائها أو عناصرها ثم وصف كل عنصر على حدة.
جمع المعطيات
بعد تحديد المشكلة عليك بطبيعة الحال أن تجمع كافة المعطيات اللازمة لتفسيرها … قبل جمع المعلومات أو المعطيات اطرح على نفسك السؤال التالي ماذا يجري؟ أو ماذا يحدث؟
تحليل الأسباب
تكمُن عملية تحليل الأسباب في معرفة الأمور التي أدت إلى حدوث هذه المشكلة، كل مشكلة لديها محدثات أو مسببات …
لذلك من أجل تحديد الأسباب التي أدت إلى نُشوب هذه المشكلة عليك أن تطرح التساؤلات التالية: ما سبب ذلك؟ لماذا حدث هذا الأمر؟
التخطيط للحل
عند تعيين المشكلة وجمع المعطيات تأتي مرحلة التخطيط للحل …
في هذه المرحلة، عليك اقتراح حلول مؤقتة، لأنّ الحلول النهائية سوف تأتي بعد تقييم الآثار التي يمكنها أن تحدث إذا ما نفذنا حل من الحلول المؤقتة.
تقييم الآثار
في مرحلة تقييم الآثار التي يمكنها أن تترتب على الحلول التي عرضتها، عليك أن تكون حذرا للغاية وأن تطرح السؤال التالي: هل الحلول المقترحة فعالة أم لا؟
إذا لم تقيم الحلول بالطريقة الصحيحة، يُمكن أن تهمل حلا يمكن له أن يكون أفضل الحلول المقترحة، في هذه المرحلة لا تتسرع ولا تقلق لكي تحدد الحل الفعّال.
التوحيد
في مرحلة التوحيد، عليك أن تعرف إذا ما كان الحل المقترح شاملًا ويُمكن تنفيذه في مواقع مُختلفة وأن يُفيد أكثر عدد من الناس بغض النظر عن مجلُاتهم.
تقييم العملية
تُعد مرحلة تقييم عملية حل المشكلة من المراحل الضرورية عندما يتعلق الأمر بالحل النهائي والشافي…
قد تفيدنا عملية تقييم العملية في معرفة هل الحل كان جيّدا أم لا وهل نستطيع أن نستعمله مرة أخرى في سياق مختلف؟ …
في المرة القادمة، إذا واجهتك مشكلة مّا لا تتوتر، بل اتبع الخطوات السبع ل شوجي شيبا، تكمُن هذه المراحل إذن في:
تحديد ووصف المشكلة – جمع المعلومات والمعطيات الضرورية – تحليل أسباب حدوث هذه المشكلة بطرح السؤال لماذا؟ – التخطيط للحل – تقييم الآثار التي يُمكن أن تترتب على الحل المقترح – توحيد المعايير – تقييم العملية التي قمنا بها من البداية حتى النهاية.
خلاصة القول
كما لاحظتم فإنّ التفكير التحليلي مهم جدًّا في حل المشكلات و اتخاذ القرارات…
لذلك، قدمنا لك كيفية تطوير هذه المهارة لكي تنجح سواءً في حياتك المهنية أو الشخصية.