
معوقات التفكير الناقد تُعدّ ولا تُحصى، وقد تضمّ على سبيل المثال لا الحصر: الأنانية، والتفكير الجمعي، والتأثر الاجتماعي، والتحيزات الشخصية، والقلق، والغرور، والخوف، والكسل، والتحيز للحالة الطبيعية، والتجارب السابقة، والافتراضات …
قبل التطرق لمعوقات التفكير الناقد بالتفصيل الممل، لا بد لنا أن نعرّف التفكير الناقد ونُبرز أهميته في حياتنا اليومية والمهنية أو العملية. إذن، ما هو التفكير الناقد؟
التفكير الناقد هو مهارة من المهارات الناعمة، تتجلى في إصدار الأحكام بخصوص قضية مّا انطلاقًا من جمع المعلومات المتعلقة بها وتحليلها وتقييمها استنادًا إلى معايير معينة خصوصا معايير التفكير المنطقي.
يلعب التفكير الناقد دورا مهما في الحياة الشخصية والمهنية، لأنّه يساعدنا على التفكير بطريقة منهجية والتوصّل إلى حلول فعالة وقرارات حكيمة.
في حقيقة الأمر، فمهارة التفكير الناقد مهارة تستحق عناء صقلها وتنميتها خصوصًا في هذا العالم المملوء بالمعلومات المضللة، وكثرة وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.
بالرغم من مفعول التفكير الناقد في تطوير ذواتنا واتخاذ القرارات وحل المشكلات التي تواجه … إلاّ أنّه أحيانًا قد تقابلنا عدّة معوقات عندما نرغب في اتخاذ قرار أو حل مشكلة. لهذا السبب، ينبغي لنا التعرّف إلى معوقات التفكير الناقد من أجل تنميته وتجنب ما أمكن أية فرصة للتلاعب بنا أو تضليلنا.
إذا أردت أن تطوّر التفكير الناقد الخاص بك، عليك أن تفهم بشكل جيد الأمور التي تمنعك من التفكير بطريقة نقدية ومنطقية.
في هذه المقالة، سوف تظهر لك بعض معوقات التفكير الناقد التي ينبغي لك معرفتها في حالة ما إذا أردت أن تُطوّر تفكيرك الناقد وأن تتفادى التفكير بطريقة عشوائية وغير علمية.
معوقات التفكير الناقد
التفكير الناقد ليس سهلًا كما يعتقد بعض الناس أو عامة الناس، لأنّه عندما نحاول أن نفكر بطريقة ناقدة تواجهنا عدّة تحديات وتقف في طريقنا وتمنعنا من التفكير بطريقة نقدية، هذه الأمور يمكن لها أن تكون عائقًا لنا في تطوير مهارات التفكير الناقد الخاصة بنا.
إذن، ما هي معوقات التفكير الناقد؟
تتضمن معوقات التفكير الناقد: الأنانية، والتفكير الجمعي، والتأثر الاجتماعي، والتحيزات الشخصية، والقلق، والغرور، والخوف، والكسل، والتحيز للحالة الطبيعية، والتجارب السابقة، والافتراضات …
الأنانية
عند الحديث عن معوقات التفكير الناقد أول شيء ينذر ببالنا هو الأنانية، هذا السلوك الذي لا يطيقه أحد، ويجعل الناس تنفر منّا …
إذن ما هي الأنانية؟
الأنانية (بالإنجليزية self-centredness) هي سلوك غير مرغوب نهائيًا ويتمثل في (الإفراط في حب النفس والإعجاب بها، مع عدم التفكير في الغير.)
عند تعريف الأنانية يظهر أنّ الأنانية قد تُعرقل عملية تفكيرك خاصة عندما ترغب في التفكير بطريقة ناقدة …
إذا أردت أن تتجنب ذلك، عليك أن تكون منفتحًا على آراء الآخرين، والتعاطف معهم، والعمل بنظرياتهم إذا كانت غير مضرّة لك.
التفكير الجمعي
يُعدّ التفكير الجمعي (بالإنجليزية Groupthink) من الحواجز عندما يتعلق الأمر بالتفكير الناقد، لأنّه يجعل الشخص غير حر في أفكاره ويدفعه إلى تبني أفكار الجماعة رغما عنه خُصوصًا إذا أراد أن يبقى في مأمن عن انتقاد الآخرين …
من أجل اجتناب هذه الإشكالية، عليك التحلي بالشجاعة، وأن تعبّر عن آرائك، ومواقفك واعتقاداتك بلا خوف لأنّ:الساكت عن الحق شيطان أخرس.
التأثير الاجتماعي
التأثّر الاجتماعي (بالإنجليزية: Social influence) هو ظاهرة منتشرة لدى عامة الناس، وتكمن في تأثر مشاعر الناس وآرائهم وسلوكياتهم بالآخرين بسبب التنشئة الاجتماعية للشخص أو الخوف من كلام الناس أو الإشارة إليهم بأصبع الاتهام، لأنّه يخالف معتقدات الأغلبية …
إذا كنت من هؤلاء المتأثرين اجتماعيًا، فأنت في ورطة كبيرة، يُمكنها أن تؤثر في أفكارك وتجعلك تفكر داخل صندوق المجتمع.
كما هو معلوم، فمن لا يفكّر خارج الصندوق ليس مبدعًا إطلاقًا، إذا كنت متأثرًا بالمجتمع الذي تعيش فيه، سوف تتبنى أفكاره ليس لأنّها أقنعتك، لكن لأنّك خائف من التعبير عن آرائك والخروج من الصندوق (يمكن للصندوق أن يكون أفكار الأغلبية) …
التحيزات الشخصية
عندما نحاول أن نفكّر تأتي الانحيازات الخاصة بنا لكي تمنعنا من التفكير في أمور قد تكون حسب المجتمع الذي نعيش فيه غير جيدة أو تخالف المعتقدات السائدة.
باختصار، التحيزات الشخصية (Personal bias) هي كافة الأفكار والمعتقدات التي توافق معتقداتنا أو تؤيّدها.
إذا أردت أن تصبح مفكرًا ناقدا، فعليك أن تتعرف إلى انحيازاتك، ومنعها من اتخاذ القرارات عوضا عنك …
نصيحة: لكي تحارب الانحيازات الخاصة بك، عليك الأخذ بعين الاعتبار الأدلّة والحقائق والبحوث العلمية الموثوقة وآراء الآخرين، بعد ذلك ادرسها وحللها وقيمها.
القلق
إذا كنت قلقا طول الوقت، فقد يؤثر ذلك في قدرتك على التحليل والتفكير واتخاذ القرارات …
أحيانا قد يُحبّ بعض الناس العمل تحت الضغط لكن العمل تحت الضغط لا يُناسب الناس كافتهم خصوصًا القلقين منهم …
ما هو القلق إذن؟
القلق (Anxiety) هو عدم الاستقرار النفسي أو الانزعاج عندما يحدث أمر لم تخطط له سلفا …
لكي تكون مفكرًا ناقدا، عليك أن تتجنب القلق ما أمكن باتباع نظام غذائي صحي والابتعاد عن الأشخاص السلبيين وممارسة الرياضة على الأقل مرتين في الأسبوع.
الغرور
يقول توفيق الحكيم الكاتب والأديب المصري عن الغرور(Vanity): (ما الغرور إلاّ وجه من وجوه الجهل.)، لذلك يُعدّ الغرور من عوائق أو معوقات التفكير الناقد، لأنّ المغرور يعتقد على نحو دائم أنّه يعرف أكثر من الآخرين وأنّه يستطيع حل مشكلاته ومشكلات الآخرين بأسرع ما يمكن دون مساعدة الآخرين له.
في الحقيقة، الإنسان لا يستطيع أن يعرف كل شيء مهما بلغ ذكاءه وقوّة حفظه، بل يعرف قليلًا وربما يكون جاهلًا من غير دراية … يقول الله عز وجل: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلًا).
الخوف
يُعدّ الخوف (Fear) أبر من العوائق أو المعوقات التي تؤثر بطريقة غير إيجابية في حياتنا الشخصية، وتمنعنا منعا كُليّا من التقدم وبداية مغامرات جديدة، إضافة إلى ذلك، قد يؤدي الخوف إلى فقدان الثقة بالنفس وفقدان الحافز الذي يدفعنا إلى الأمام …
هناك عدّة أسباب للخوف مثل القلق، واليأس، والفشل المتكرر، وتقدير الذات المنخفض …
بالتعرف إلى الأسباب المختلفة التي تٌحدث الخوف، فسوف يسهُل عليك محاربته، والتخلص منه لكيلا يقف لك من جديد عائقًا في طريقك من أجل تطوير مهاراتك لا سيما: تطوير مهارات التفكير الناقد وتطوير المهارات الناعمة.
الكسل
عندما نتكلم عن الكسل (بالإنجليزية: Laziness)، فبطبيعة الحال نشير إلى ألد أعداء النجاح الذي عرفه الإنسان على مرّ العصور.
إذا كنت كسولًا وتُريد أن تُحسّن من مهاراتك فأول عدو لك هو الكسل …
الكسل إذن هو التهاون في فعل ما يجب فعله من أجل تطوير مهاراتك الشخصية والناعمة أو غيرها من الأمور…
يُعدّ الكسل من عوائق التفكير الناقد بطريقة غير مباشرة، على سبيل المثال لا الحصر، إذا أردت أن تطوّر مهارات التفكير الناقد الخاصة بك مثل: مهارة البحث، في هذه الحالة، عليك أن تكون مجتهدًا ومثابرًا، وتبحث دائمًا عن المعلومات التي أنت بحاجة ماسة لها سواء على شبكة الإنترنيت أو في الكتب أو في غيرها من المصادر الموثوقة …
التحيز للحالة الطبيعية
يُعدّ الانحياز للسواء أو التحيز للحالة الطبيعية (بالإنجليزية Normalcy bias) من أخطر معوقات التفكير الناقد، لأنّه يقنعنا بالاستهانة بالأمور وأنّ الأمور ستبقى كما كانت ولن تتغير.
تعوق هذه المغالطة المنطقية التفكير الناقد، لأنّها تستند إلى رأينا الشخصي، والعواطف عند الرغبة في اتخاذ القرارات عوضا عن التفكير المنطقي.
فضلا عن ذلك، فهي تُشجّع عقلنا على تجاهل الخطر والمعلومات الجديدة من أجل البقاء في مأمن وفي راحة.
على سبيل المثال، قد يقودنا التحيز للحالة الطبيعية إلى الاعتقاد أنّ الذكاء الاصطناعي لن يؤثر في المهن مستقبلًا، لأنّه لم يؤثر فيها حاليًا.
التجارِب السابقة
تؤثر التجارِب السابقة (Past experiences) وعلاقاتنا الفاشلة وصدماتنا العاطفية فينا بطريقة ملحوظة في أغلب جوانب الحياة، ما حدث في الماضي يمكنه أن يؤثر في طريقة تفكيرنا، والأمور التي سوف تحدث مستقبلًا. هذا هو الأمر الواقع، لكن لا ينبغي لنا الاستسلام للتجارب السابقة وتركها تقرّر مكاننا، لأنّ الماضي مرّ ولن يعود أبدًا. عوضًا عن الندم على ما فاتنا، علينا التفكير في اللحظة الحالية، والعمل على تطوير مهاراتنا الناعمة من أجل التعامل والتفاعل مع العالم الخارجي كما ينبغي.
بطبيعة الحال، لا ينبغي لنا ترك تجاربنا السابقة، تُؤثر في أفكارنا بطريقة سلبية، بل عليها أن تكون درسا لنا، وعلينا التعامل معها بطريقة موضوعية وليست بطريقة ذاتية.
إنّ الاستناد على تجاربنا الماضية في التفكير، قد يكون أسوأ شيء يمكن أن يعوق طريقة تفكيرنا خصوصًا عندما نرغب في التفكير بطريقة منطقية أو ناقدة.
الافتراضات
تُعدّ الافتراضات (Assumptions) من أبرز معوقات التفكير الناقد، لأنّها تكبح قدرتنا على التعلّم، وقدرتنا على طرح الأسئلة، يحدث هذا الأمر لأنّ ظنوننا الشخصية تقنعنا أنّنا نعرف ولا نحتاج مزيدًا من المعرفة.
في السياق ذاته، قد نرى أنّ بعض الناس لا يعرفون أنّهم لا يعرفون وهذا ما نسميه بالجهل المركَب.
يُعدّ الجهل المركَب أيضًا من معوقات التفكير الناقد، ومن الصعب أن يتخلص منه صاحبه.
إذا أردت أن تتفادى الجهل المركَب، عليك أن تقرأ في مجال تخصصك وفي ميادين قريبة من تخصصك من أجل إثراء رصيدك المعرفي وتطوير قدرتك على التحليل، هذا أمر سهل، لأنّ البشر لديهم القدرة على تعلم أشياء جديدة بعض النظر عن صعوبتها أو سهولتها.
خلاصة القول، العدو الأول للتفكير الناقد هو الجهل المركَب، أي اعتقاد الشخص أنّه يعرف في حين أنّه لا يعرف.
معايير التفكير الناقد
كما رأينا آنفا، فليس من السهل التفكير بطريقة ناقدة لا سيما مع وجود معوقات قد تتصدى لنمط أو طريقة تفكيرنا.
لكن، لحسن الحظ يمكننا تطوير مهارات التفكير الناقد الخاص بنا بالتعلّم والمثابرة والممارسة.
معايير التفكير الناقد هي مجموعة من السمات المتفق عليها من قبل الباحثين في مجال التفكير الناقد، وتُحدّد نوع التفكير الذي يمارسه الفرد إذا ما كان تفكيرًا ناقدا أو غير ذلك.
فيمَا يلي، سوف نقدّم لك معايير التفكير الناقد التي بإمكانها مساعدتك في التفكير بطريقة منطقية وناقدة.
حسب ريتشارد بول وليندا إلدر، هناك 7 معايير للتفكير الناقد (Paul-Elder Critical Thinking Framework) بما في ذلك: الوضوح والصحّة والاتساع والدقّة، والمنطق، والرّبط(الصلة)، والعُمق.
الوضوح
يُقصد بالوضوح خلوّ الفكرة من أي لبس أو غموض، في هذه الحالة، الجميع يستطيع أن يستوعبها للوهلة الأولى.
الصحّة
على المعلومة أو الفكرة المعروضة أن تكون موثوقة من حيث المصدر ويمكن التحقق من المصدر بسهولة.
الاتساع (الشمولية)
على الفكرة أن تكون شاملة وملمّة بكل جوانب الموضوع أو المشكلة.
الدقّة
على المعلومة أو الفكرة أن تكون وافية وتحيط بالمعنى حتّى ما خفي وغمض منه.
المنطق (الاستدلال المنطقي)
على الفكرة المقترحة أن تعتمد على العقل والاستدلال العقلي والمنطقي، أي تنتقل من مقدمات إلى نتائج صحيحة.
الرّبط (الصلة)
على الفكرة أن تكون مرتبطة ارتباطًا وطيدا بالموضوع أو المشكلة التي تقابلنا.
العُمق
على الفكرة المعروضة أن تكون عميقة، أي امتثلت إلى التفكّر وبُعد نظر.
ما سبل مواجهة معوقات التفكير الناقد بالمجتمع
مهارة التفكير من المهارات الناعمة الحيوية التي لا غنى عندما يتعلق الأمر باتخاذ قرارات حكيمة وحلّ المشكلات المعقدة، لهذا السبب، فالتسلح ببعض الأمور التي تجنبنا معوقات التفكير الناقد، أمر ضروري في العصر الحالي.
فيمَا يلي، بعض سبل مواجهة معوقات التفكير الناقد بالمجتمع:
- الحذر من التحيزات الشخصية، وذلك بتقييم أراءك بطريقة موضوعية.
- البحث عن وجهات نظر تخالف وجهة نظرك والتفكر فيها وتحليلها.
- طرح الأسئلة على الأشخاص الاختصاصيين في مجلاتهم أو قراءة كتب المتخصصين (تعرّف إلى فوائد القراءة) ومقارنتها مع أفكارك ومعتقداتك.
- التحليل بتفكيك الأجزاء المكوّنة للأفكار أو المعلومات التي تلقيتها أو سمعتها أو الأفكار التي تخطر ببالك من وقت لآخر.
- الأخذ بعين الاعتبار سياق المعلومات التي تعرّفت إليها أو صادفتها في طريقك (الأشياء التي تؤثر في تفكيرك: وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام والثقافة…)
خلاصة القول
إنّ عملية تفادي معوقات التفكير الناقد أمر يتطلب جهدا وعملا جادا في طلب العلم والتعلّم المستمر وتنمية تفكيرك المنطقي ومهارات التحليل الخاصة بك والقراءة باستمرار (تعرّف إلى فوائد القراءة)…
إذا اتبعت النصائح التي طرحناها لك في الأعلى، فسوف تصبح مفكرًا ناقدا لا يُشق له غبار، أي مفكر ناقد من الصعب التفوق عليه.