يبحث الكثيرون منّا عن أسرار النجاح والسعادة وطُرق للتحكّم في حياتهم.
في الواقع، تُوجد العديد من العوامل المُساهمة في ذلك، لكن تُمثّل العادات أحد أهم الركائز التي تُشكّل حياتنا وتتحكّم في مسارها.
إذن، ما هي العادات؟
العادات هي السلوكيّات المُتكرّرة التي نقوم بها بطريقة تلقائيّة ودون تفكير واعي منّا؛ هذه العادات تُشكّل جزءًا لا يتجزأ من شخصياتنا وحياتنا اليوميّة.
لذلك، في هذه المقالة، سوف نتعمّق في فهم قوة العادات وكيفيّة تأثيرها في حياتنا، وكيف يُمكنُنا تغيير العادات السلبيّة وبناء عادات إيجابيّة جديدة من أجل تحقيق أهدافنا وتحسين جودة حياتنا.
محتوى المقالة
ما هي العادات؟
العادات هي سلوكيّات مُكتسبة ومُتكرّرة نقوم بها بطريقة تلقائيّة، ودون جُهد كبير من قبلنا.
تتشكّل العادات بالتكرار المُستمر لسلُوك مُعيّن، حتّى يُصبح هذا السلوك جُزءًا من روتيننا اليومي، أي نُنفّذه دون تفكير أو تخطيط مُسبق من طرفنا.
لكن، السؤال الذي يطرح نفسه: كيف تتكوّن العادات؟
في الحقيقة الأمر، تتكوّن العادة من 3 عناصر رئيسة، وهي:
- الإشارة: أي الحدث أو الموقف الذي يُحفّز العادة ويدفعنا إلى القيام بها.
- الروتين: أي السلوك أو الفعل الذي نقُوم به بطريقة تلقائيّة استجابةً للإشارة.
- المُكافأة: أي النتيجة الإيجابيّة التي نحصُل عليها عند القيام بالعادة، والتي تُعزّز السُلوك وتدفعنا إلى تكراره في المُستقبل.
كيف تُشكّل العادات حياتك؟
تُؤثّر العادات تأثيرًا كبيرًا في كافة جوانب حياتنا، بما فيه:
الصحة واللياقة البدنيّة
تسهم العادات الصحية مثل: مُمارسة الرياضة بانتظام، وتناول الطعام الصحي، والحصول على قسط كافٍ من النوم إسهامًا كبيرًا في تحسين الصحة واللياقة البدنيّة.
في المُقابل، تُؤدّي العادات السلبية مثل: التدخين، وتناول الوجبات السريعة، وقلّة النوم إلى مُشكلات صحيّة شديدة الْخَطَر مع مرور الوقت.
على سبيل المثال، الأشخاص الذين يُمارسون الرياضة بانتظام يكُونون أقل عُرضة للإصابة بأمراض القلب والسكتة الدماغيّة والسُمنة، ويتمتّعون بمُستويات أعلى من الطاقة والقُدرة على التحمّل. والقدر نفسه، الأشخاص الذين يتناولُون الطعام الصحي يكُونون أقل عُرضة للإصابة بأمراض مُزمنة مثل: السُكري وأمراض القلب وبعض أنواع السرطان.
الإنتاجيّة والنجاح
تُساعد العادات الإيجابية مثل: التخطيط والتنظيم، وإدارة الوقت بفعاليّة، والتركيز على المهام المُهمّة على زيادة الإنتاجيّة وتحقيق النجاح في العمل والحياة الشخصيّة.
في المُقابل، تُؤثّر العادات السلبية مثل: التسويف، وعدم التنظيم، وقضاء وقت طويل على وسائل التواصل الاجتماعي تأثيرًا سلبًا على الإنتاجيّة وتعُوق تحقيق الأهداف على المدى القصير والطويل.
على سبيل المثال، الأشخاص الذين يُخطّطُون ويُنظّمُون مهامهم يكُونون أكثر إنتاجيّة وأقل عُرضة للشعور بالتوتر والإرهاق. وبالمثل، الأشخاص الذين يُديرون وقتهم بفعاليّة يكُونون قادرين على تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصيّة، وتحقيق المزيد في وقت أقل.
العلاقات الاجتماعيّة
تُساعد العادات الاجتماعيّة الإيجابيّة مثل: الاستماع بانتباه، والتعاطف، والاحترام، وتقديم الدعم للآخرين على بناء علاقات قويّة وصحيّة.
في المُقابل، تُؤدّي العادات السلبيّة مثل: النقد المُستمر، والشكوى، واللوم إلى تدهور العلاقات وتدميرها.
على سبيل المثال، الأشخاص الذين يستمعُون بفاعليّة ويتعاطفون مع الآخرين يكُونون أكثر قُدرة على بناء علاقات قويّة ومُستدامة. وبالمثل، الأشخاص الذين يُظهرون الاحترام والتقدير للآخرين يكُونون أكثر قُدرة على خلق بيئة إيجابيّة وداعمة.
السعادة والرضا عن الحياة
تسهم العادات الإيجابيّة مثل: مُمارسة الامتنان، والتفكير الإيجابي، وقضاء الوقت في الطبيعة، وتطوير الهوايات في زيادة الشُعور بالسعادة والرضا عن الحياة.
في المُقابل، تُؤدّي العادات السلبيّة مثل: القلق المُستمر، والتفكير السلبي، ومُقارنة الذات بالآخرين إلى الاكتئاب والحُزن.
على سبيل المثال، الأشخاص الذين يُمارسون الامتنان يكُونون أكثر سعادة وأكثر قُدرة على التعامل مع التحدّيات.
في السياق ذاته، الأشخاص الذين يُفكّرُون بإيجابيّة يكُونون أكثر تفاؤلًا وأكثر قُدرة على تحقيق أهدافهم.
كيف تتحكّم العادات في سلوكياتك؟
تتحكّم العادات في سلوكياتنا عن طريق تأثيرها في دماغنا. فعندما نُكرّر سلوكًا معيّنًا باستمرار، تتشكّل مسارات عصبيّة جديدة في الدماغ، ما يجعل هذا السُلوك سهلًا وتلقائيًّا في المُستقبل. ومع مرُور الوقت، تُصبح هذه المسارات العصبيّة قويّة جدًا، ما يجعل من الصعب تغيير العادات، حتّى لو أردنا ذلك.
لهذا السبب، قد يكون تحدّيًا كبيرًا في تغيير العادات السلبيّة، لكن ذلك ليس مُستحيلًا.
بفضل فهم كيفيّة عمل العادات، وتطبيق استراتيجيات تغيير السلُوك، يُمكنُنا كسر العادات السيّئة وبناء عادات إيجابيّة جديدة.
كيف تُغيّر عاداتك؟
يتطلّب تغيير العادات جُهدًا واعيًا والتزامًا، بالإضافة إلى تطبيق الاستراتيجيّات التالية:
تحديد العادات التي تُريد تغييرها
ابدأ بتحديد العادات السلبيّة التي تُريد تغييرها، وفكّر في تأثيرها في حياتك. ينبغي لك أن تُدرك أنّ العادات السيّئة سوف تُدمّر حياتك.
ولفعل ذلك، ركّز على عادة واحدة في كل مرة، لتجنّب الشُعور بالإرهاق.
على سبيل المثال، إذا كُنت ترغب في تحسين صحتك، يُمكنك البَدْء بالتركيز على عادة مُمارسة الرياضة بانتظام…
فهم مُحفّزات العادة
حاول تحديد الإشارات أو المُحفّزات التي تدفعك إلى القيام بالعادة السلبيّة أو السيّئة.
هل هي مُرتبطة بوقت مُعيّن، أو مكان مُعيّن، أو شُعور مُعيّن؟
بمُجرّد تحديد المُحفّزات، يُمكنك البَدْء في تغييرها أو تجنّبها.
على سبيل المثال، إذا كُنت مُعتادًا على تناول الوجبات السريعة عندما تشعُر بالتوتر، فحاول إيجاد طُرق صحيّة للتعامل مع التوتر، مثل: مُمارسة الرياضة، أو المشي، أو الاستحمام بالماء البارد…
استبدال العادة السلبيّة بعادة إيجابيّة
بدلًا من مُجرّد مُحاولة التوقّف عن القيام بالعادة السلبيّة، حاول استبدالها بعادة إيجابيّة جديدة.
على سبيل المثال، إذا كُنت ترغب في التوقّف عن تناول الوجبات السريعة، فحاول تحضير وجبات صحيّة في المنزل. وإذا كُنت ترغب في التوقّف عن قضاء وقت طويل على وسائل التواصل الاجتماعي، فحاول قراءة كتاب أو مُمارسة هِواية جديدة…
البَدْء بخُطوات صغيرة
لا تُحاول تغيير كل شيء دُفعة واحدة. بل ابدأ بخُطوات صغيرة وواقعيّة، وزد التحدّي تدريجيًا.
على سبيل المثال، إذا كُنت ترغب في البَدْء في مُمارسة الرياضة، فابدأ بالمشي مدة 10 دقائق يوميًا، ثم زد المُدة تدريجيًا مع مرور الوقت.
مُكافأة نفسك على التقدّم
عندما تُحقّق تقدّمًا، كافئ نفسك على جُهودك. فهذا سيُساعدك على البقاء مُتحمسًا ومُواصلة العمل على تغيير عاداتك.
على سبيل المثال، إذا نجحت في مُمارسة الرياضة مدة أسبوع كامل، فكافئ نفسك بمُشاهدة فيلم وثائقي أو قضاء وقت مع الأصدقاء…
الصبر والمُثابرة
كما هو معروف، فيستغرق تغيير العادات وقتًا وجُهدًا. لذا، لا تيأس إذا لم ترَ نتائج فوريّة، واستمر في العمل على عاداتك، وستصل إلى أهدافك في النهاية، وتذكّر أنّ بناء عادات جديدة يتطلّب تكرارًا ومُمارسة مُستمرة.
أمثلة على عادات إيجابية يُمكنك تبنّيها
هُناك العديد من العادات الإيجابيّة التي يُمكنك تبنّيها لتحسين حياتك. في ما يلي بعضها:
- مُمارسة الرياضة بانتظام: تسهم الرياضة في تحسين الصحة البدنيّة والعقليّة، وتقليل التوتر، وزيادة الطاقة.
- تناول الطعام الصحي: يُساعد النظام الغذائي الصحي على الوقاية من الأمراض المُزمنة، وتحسين المِزَاج، وزيادة التركيز.
- الحُصول على قسط كافٍ من النوم: يسهم النوم الكافي في تحسين المِزَاج، وزيادة التركيز، وتعزيز جهاز المناعة.
- التخطيط والتنظيم: يُساعد التخطيط والتنظيم على زيادة الإنتاجيّة، وتقليل التوتر، وتحقيق الأهداف.
- إدارة الوقت بفعاليّة: تسهم إدارة الوقت بفعاليّة في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصيّة، وتقليل التوتر، وزيادة الإنتاجيّة.
- التركيز على المهام المُهمّة: يُساعد التركيز على المهام المُهمّة على تحقيق الأهداف، وتجنّب التشتّت، وزيادة الإنتاجيّة.
- الاستماع بانتباه: يسهم الاستماع الفعّال في بناء علاقات قويّة، وتحسين التواصل، وتعزيز التفاهم.
- التعاطف: يُساعد التعاطف على بناء علاقات قويّة، وتقليل الصراع، وتعزيز السعادة.
- الاحترام: يسهم الاحترام في بناء علاقات قويّة، وتعزيز الثقة، وخلق بيئة إيجابيّة.
- تقديم الدعم للآخرين: يُساعد تقديم الدعم للآخرين على بناء علاقات قويّة، وتعزيز الشُعور بالانتماء، وزيادة السعادة.
بالإضافة إلى هذه العادات، هُناك عادات أُخرى بإمكانها الإسهام في تحسين حياتك، مثل:
- قراءة الكُتب والمقالات المُفيدة: تُساعد القراءة على توسيع المعرفة، وتحسين مهارات التفكير، وتقليل التوتر.
- تعلّم مهارات جديدة: يسهم تعلّم مهارات جديدة في زيادة الثقة بالنفس، وتحسين فُرص العمل، وزيادة الإنتاجيّة.
- قضاء الوقت في الطبيعة: يُساعد قضاء الوقت في الطبيعة على تقليل التوتر، وتحسين المِزَاج، وتعزيز الصحة البدنيّة.
- تطوير الهوايات: تُساعد الهوايات على تقليل التوتر، وتحسين المِزَاج، وتعزيز الإبداع.
كسر حلقة العادات السلبيّة
في بعض الأحيان، قد نجد أنفسنا عالقين في حلقة من العادات السلبيّة والتي يصعب علينا كسرها، ما يُؤدّي إلى الشعور بالإحباط واليأس، والاعتقاد بأنّنا غير قادرين على التغيير. لكن، الحقيقة هي أنّنا جميعًا نملكُ القُدرة على تغيير عاداتنا، بغض النظر عن مدى صُعوبتها.
فإحدى الطرق الفعّالة لكسر حلقة العادات السلبيّة هي تحديد “العادات الرئيسة أو الأساسية” الإيجابيّة.
ما هي العادات الرئيسة؟
بكلمات بسيطة، العادات الرئيسة هي العادات التي يكون لها تأثير إيجابي كبير في جوانب مُتعدّدة من حياتنا.
على سبيل المثال، يُمكن أن تُحسّن مُمارسة الرياضة بانتظام صحتنا البدنيّة والعقليّة، وتزيد من طاقتنا، وتُحسّن مزاجنا.
في الإطار نفسه، يُمكن أن يُحسّن الحصول على قسط كافٍ من النوم تركيزنا، ويُعزّز جهاز المناعة، ويُقلّل من التوتر.
بالتركيز على بناء عادات رئيسة إيجابيّة، يُمكنُنا كسر حلقة العادات السلبيّة وبناء حياة سعيدة، والحفاظ على الصحة والنجاح في الحياة…
خلاصة القول
كما رأينا سالفًا، فالعادات تُكوّن سلوكياتنا وتتحكّم في مسارنا نحو؛ إمّا النجاح وإمّا الفشل، إمّا السعادة وإمّا الحزن.
لذا، فبفهم قوة العادات وتطبيق استراتيجيات تغيير السُلوك، يُمكننا بناء عادات إيجابيّة جديدة بمقدُورها تحقيق أهدافنا وتحسين جودة حياتنا.
قبل الرحيل، ينبغي لكم أن تُدركوا أنّ تغيير العادات يتطلب جُهدًا واعيًا والتزامًا، لكن النتائج تستحق العناء، مع السلامة ولا تنسوا مُشاركة المقالة مع أصدقائكم وعائلكم…